فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ}
اعلم أن هذا نوع آخر من الأباطيل التي حكاها الله تعالى عن الكفار وهي قولهم: {اتخذ الله وَلَدًا} ويحتمل أن يكون المراد حكاية قول من يقول: الملائكة بنات الله، ويحتمل أن يكون المراد قول من يقول: الأوثان أولاد الله، ويحتمل أن يكون قد كان فيهم قوم من النصارى قالوا ذلك ثم إنه تعالى لما استنكر هذا القول قال بعده: {هُوَ الغني لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض}.
واعلم أن كونه تعالى غنيًا مالكًا لكل ما في السموات والأرض يدل على أنه يستحيل أن يكون له ولد، وبيان ذلك من وجوه: الأول: أنه سبحانه غني مطلقًا على ما في هذه الآية، والعقل أيضًا يدل عليه، لأنه لو كان محتاجًا لافتقر إلى صانع آخر، وهو محال وكل من كان غنيًا فإنه لابد أن يكون فردًا منزهًا عن الأجزاء والأبعاض، وكل من كان كذلك امتنع أن ينفصل عنه جزء من أجزائه، والولد عبارة عن أن ينفصل جزء من أجزاء الإنسان، ثم يتولد عن ذلك الجزء مثله، وإذا كان هذا محالًا ثبت أن كونه تعالى غنيًا يمنع ثبوت الولد له.
الحجة الثانية: أنه تعالى غني وكل من كان غنيًا كان قديمًا أزليًا باقيًا سرمديًا، وكل من كان كذلك، امتنع عليه الانقراض والانقضاء، والولد إنما يحصل للشيء الذي ينقضي، وينقرض، فيكون ولده قائمًا مقامه، فثبت أن كونه تعالى غنيًا، يدل على أنه يمتنع أن يكون له ولد.
الحجة الثالثة: أنه تعالى غني وكل من كان غنيًا فإنه يمتنع أن يكون موصوفًا بالشهوة واللذة وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكون له صاحبة وولد.
الحجة الرابعة: أنه تعالى غني، وكل من كان غنيًا امتنع أن يكون له ولد، لأن اتخاذ الولد إنما يكون في حق من يكون محتاجًا حتى يعينه ولده على المصالح الحاصلة والمتوقعة، فمن كان غنيًا مطلقًا امتنع عليه اتخاذ الولد.
الحجة الخامسة: ولد الحيوان إنما يكون ولدًا له بشرطين: إذا كان مساويًا له في الطبيعة والحقيقة، ويكون ابتداء وجوده وتكونه منه، وهذا في حق الله تعالى محال، لأنه تعالى غني مطلقًا، وكل من كان غنيًا مطلقًا كان واجب الوجود لذاته، فلو كان لواجب الوجود ولد، لكان ولده مساويًا له.
فيلزم أن يكون ولد واجب الوجود أيضًا واجب الوجود، لكن كونه واجب الوجود يمنع من تولده من غيره، وإذا لم يكن متولدًا من غيره لم يكن ولدًا، فثبت أن كونه تعالى غنيًا من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا ولد له، وهذه الثلاثة مع الثلاثة الأول في غاية القوة.
الحجة السادسة: أنه تعالى غني، وكل من كان غنيًا امتنع أن يكون له أب وأم، وكل من تقدس عن الوالدين وجب أن يكون مقدسًا عن الأولاد.
فإن قيل: يشكل هذا بالوالد الأول؟
قلنا: الوالد الأول لا يمتنع كونه ولدًا لغيره، لأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يخلق الوالد الأول من أبوين يقدمانه أما الحق سبحانه فإنه يمتنع افتقاره إلى الأبوين، وإلا لما كان غنيًا مطلقًا.
الحجة السابعة: إنه تعالى غني مطلقًا، وكل من كان غنيًا مطلقًا امتنع أن يفتقر في إحداث الأشياء إلى غيره.
إذا ثبت هذا فنقول: هذا الولد، إما أن يكون قديمًا أو حادثًا، فإن كان قديمًا فهو واجب الوجود لذاته، إذ لو كان ممكن الوجود لافتقر إلى المؤثر، وافتقار القديم إلى المؤثر يقتضي إيجاد الموجود وهو محال، وإذا كان واجب الوجود لذاته لم يكن ولدًا لغيره، بل كان موجودًا مستقلًا بنفسه، وأما إن كان هذا الولد حادثًا والحق سبحانه غني مطلقًا فكان قادرًا على إحداثه ابتداء من غير تشريك شيء آخر، فكان هذا عبدًا مطلقًا، ولم يكن ولدًا، فهذه جملة الوجوه المستنبطة من قوله: {هُوَ الغنى} الدالة على أنه يمتنع أن يكون له ولد.
أما قوله: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} فاعلم أنه نظير قوله: {إِن كُلُّ مَن في السموات والارض إِلاَّ اتِى الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] وحاصله يرجع إلى أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن، وكل ممكن محتاج، وكل محتاج محدث، فكل ما سوى الواحد الأحد الحق محدث، والله تعالى محدثه وخالقه وموجده وذلك يدل على فساد القول بإثبات الصاحبة والولد، ولما بين تعالى بالدليل الواضح امتناع ما أضافوا إليه، عطف عليهم بالإنكار والتوبيخ فقال: {إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بهذا} منبهًا بهذا على أنه لا حجة عندهم في ذلك ألبتة.
ثم بالغ في ذلك الإنكار فقال: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وقد ذكرنا أن هذه الآية يحتج بها في إبطال التقليد في أصول الديانات ونفاة القياس وأخبار الآحاد قد يحتجون بها في إبطال هذين الأصلين وقد سبق الكلام فيه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ}
والضمير في: {قالوا} للكفار العرب وذلك قول طائفة منهم: الملائكة بنات الله، والآية بعد تعم كل من قال نحو هذا القول كالنصارى ومن يمكن أن يعتقد ذلك من الكفرة، و: {سبحانه}: مصدر معناه تنزيهًا له وبراءة من ذلك، فسره بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: {هو الغني} صفة على الإطلاق أي لا يفتقر إلى شيء من الجهات، والولد جزء مما هو غني عنه، والحق هو قول الله تعالى: {أنتم الفقراء إلى الله} [فاطر: 15]، وقوله: {ما في السماوات}، أي بالملك والإحاطة والخلق، و: {إن} نافية، والسلطان الحجة، وكذلك معناه حيث تكرر من القرآن، ثم وقفهم موبخا بقوله: {أتقولون على الله ما لا تعلمون}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} يعني الكفار.
وقد تقدّم.
{سُبْحَانَهُ} نَزَّه نفسه عن الصاحبة والأولاد وعن الشركاء والأنداد.
{هُوَ الغني لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} ثم أخبر بغناه المطلق، وأن له ما في السموات والأرض ملكًا وخلقًا وعبدًا؛: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93].
{إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذا} أي ما عندكم من حجة بهذا.
{أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من إثبات الولد له، والولد يقتضي المجانسة والمشابهة والله تعالى لا يجانِس شيئًا ولا يشابه شيئًا. اهـ.

.قال الخازن:

{قالوا} يعني المشركين: {اتخذ الله ولدًا} يعني به قولهم الملائكة بنات الله: {سبحانه} نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد: {هو الغني} يعني أنه سبحانه وتعالى هو الغني عن جميع خلقه فكيف يليق بجلاله اتخاذ الولد وإنما يتخذ الولد من هو محتاج إليه والله تعالى هو الغني المطلق وجميع الأشياء محتاجة إليه وهو غني عنها: {له ما في السموات وما في الأرض} يعني أنه مالك ما في السموات وما في الأرض وكلهم عبيده وفي قبضته وتصرفه وهو محدثهم وخالقهم.
ولما نزَّه الله سبحانه وتعالى نفسه عن اتخاذ الولد عطف على من قال ذلك بالإنكار والتوبيخ والتقريع فقال سبحانه وتعالى: {إن عندكم من سلطان بهذا} يعني أنه لا حجة عندكم على هذا القول البتة ثم بالغ في الإنكار عليهم بقوله تعالى: {أتقولون على الله ما لا تعلمون} يعني أتقولون على الله قولًا لا تعلمون حقيقته وصحته وتضيفون إليه ما لا تجوز إضافته إليه جهلًا منكم بما تقولون بغير حجة ولا برهان. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}
الضمير في قالوا عائد على من نسب إلى الله الولد، ممن قال الملائكة بنات الله، أو عزير ابن الله، أو المسيح ابن الله، وسبحانه: تنزيه من اتخاذ الولد وتعجب ممن يقول ذلك، هو الغني علة لنفي الولد، لأنّ اتخاذ الولد إنما يكون للحاجة إليه، والله تعالى غير محتاج إلى شيء، فالولد منتف عنه، وكل ما في السموات والأرض ملكه فهو غني عن اتخاذ الولد.
وأنْ نافية، والسلطان الحجة أي: ما عندكم من حجة بهذا القول.
قال الحوفي: وبهذا متعلق بمعنى الاستقرار يعني: الذي تعلق به الظرف.
وتبعه الزمخشري فقال: الباء حقها أن تتعلق بقوله: {إن عندكم} على أن يجعل القول مكانًا للسلطان كقولك: ما عندكم بأرضكم نور، كأنه قيل: إنّ عندكم فيما تقولون سلطان.
وقال أبو البقاء: وبهذا متعلق بسلطان أو نعت له، وأتقولون استفهام إنكار وتوبيخ لمن اتبع ما لا يعلم، ويحتج بذلك في إبطال التقليد في أصول الدين، واستدل بها نفاة القياس وإخبار الآحاد.
ولما نفى البرهان عنهم جعلهم غير عالمين، فدل على أن كل قول لا برهان عليه لقائله فذلك جهل وليس بعلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}
{قَالُواْ} شروعٌ في ذكر ضربٍ آخرَ من أباطيلهم وبيانُ بطلانه: {اتخذ الله وَلَدًا} أي تبنّاه: {سبحانه} تنزيهٌ وتقديس له عما نسبوا إليه وتعجيبٌ من كلمتهم الحمقاء: {هُوَ الغنى} على الإطلاق عن كل شيءٍ في كل شيء وهو علةٌ لتنزيهه سبحانه وإيذانٌ بأن اتخاذَ الولدِ من أحكام الحاجةِ وقوله عز وجل: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} أي من العقلاء وغيرِهم، تقريرٌ لغناه وتحقيقٌ لمالكيته تعالى لكل ما سواه وقوله تعالى: {إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ} أي حجة: {بهذا} أي بما ذكر من قولهم الباطلِ وتوضيحٌ لبطلانه بتحقيق سلامةِ ما أقيم من البرهان الساطِع عن المعارض، فِمنْ في قوله تعالى: {مّن سلطان} زائدةٌ لتأكيد النفي وهو مبتدأٌ والظرفُ المقدم خبرُه أو مرتفعٌ على أنه فاعلٌ للظرف لاعتماده على النفي وبهذا متعلقٌ إما بسلطان لأنه بمعنى الحجةِ والبرهانِ وإما بمحذوف وقعَ صفةً له وإما بما في (عندكم) من معنى الاستقرارِ، كأنه قيل: إن عندكم في هذا القول من سلطان، والالتفاتُ إلى الخطاب لمزيد المبالغةِ في الإلزام والإفحام وتأكيدِ ما في قوله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من التوبيخ والتقريعِ على جهلهم واختلاقِهم، وفيه تنبيه على أن كل مقالةٍ لا دليلَ عليها فهي جهالةٌ وأن العقائدَ لابد لها من برهان قطعيَ وأن التقليدَ بمعزل من الاعتداد به. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} شروع في ذكر ضرب آخر من أباطيل المشركين وبيان بطلانه، والمراد بهؤلاء المشركين على ما قيل: كفار قريش والعرب فإنهم قالوا: الملائكة بنات الله تعالى، واليهود والنصارى القائلون: عزير وعيسى عليهما السلام ابناه عز وجل والاتخاذ صريح في التبني، وظاهر الآية يدل على أن ذلك قول كل المشركين وإذا ثبت أن منهم من يقول بالولادة والتوليد حقيقة كان ما هنا قول البعض ولينظر هل يجري فيه احتمال إسناد ما للبعض للكل لتحقق شرطه أم لا يجري لفقد ذلك والولد يستعمل مفردًا وجمعًا.
وفي القاموس الولد محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على أولاد وولدة وإلدة بالكسر فيهما وولد الضم وهو يشمل الذكر والأنثى: {سبحانه} تنزيه وتقديس له تعالى عما نسبوا إليه على ما هو الأصل في معنى سبحانه وقد يستعمل للتعجب مجازًا ويصح إرادته هنا، والمراد التعجب من كلمتهم الحمقى، وجمع بعضهم بين التنزيه والتعجب ولعله مبني على أن التعجب معنى كنائي وأنه يصح إرادة المعنى الحقيقي في الكناية وهو أحد قولين في المسألة، وقيل: إنه لا يلزم استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هو من المعاني الثواني، وقوله سبحانه: {هُوَ الغنى} أي عن كل شيء في كل شيء علة لتنزهه تعالى وتقدس عن ذلك وإيذان بأن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة وهي التقوى أو بقاء النوع مثلًا، وقوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} أي من العقلاء وغيرهم تقرير لمعنى الغنى لأن المالك لجميع الكائنات هو الغني وما عداه فقير، وقيل: هو علة أخرى للتنزه عن التبني لأنه ينافي المالكية، وقوله جل شأنه: {إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ} أي حجة: {بهذا} أي بما ذكر من القول الباطل توضيح لبطلانه بتحقيق سلامة ما أقيم من البرهان الساطع عن المعارض والمنافي فإن نافية و: {مِنْ} زائدة لتأكيد النفي ومجرورها مبتدأ والظرف المقدم خبره أو مرتفع على أنه فاعل له لاعتماده على النفي وب: {بهذا} متعلق إما بسلطان لأنه بمعنى الحجة كما سمعت وإما بمحذوف وقع صفة له، وقيل: وقع حالًا من الضمير المستتر في الظرف الراجع إليه وإما بما في: {عِندَكُمْ} من معنى الاستقرار، ويتعين على هذا كون: {سلطان} فاعلًا للظرف لئلا يلزم الفصل بين العامل المعنوي ومتعلقه بأجنبي، والالتفات إلى الخطاب لمزيد المبالغة في الإلزام والإفحام وتأكيد ما في قوله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من التوبيخ والتقريع على جهلهم واختلاقهم، وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لابد لها من قاطع وأن التقليد بمعزل من الاهتداء ولا تصلح متمسكًا لنفي القياس والعمل بخبر الآحاد لأن ذلك في الفروع وهي مخصوصة بالأصول لما قام من الأدلة على تخصيصها وإن عم ظاهرها. اهـ.